Intelligent Design Theory نظرية التصميم الذكي (1)

نعود بعد غياب طويل إلى النشر مرة أخرى في المدونة، معنا بدءًا من اليوم صديق المدونة أحمد مبروك بشير وهو طالب من ليبيا في السنوات النهائية من دراسته للتكنولوجيا الحيوية في جامعة مصر للعلوم الحديثة و الآداب بمدينة السادس من أكتوبر، مصر.
نعود إليكم معه بسلسلة شيقة عن نظرية التصميم الذكي التي تعد أحد أهم الموضوعات التي يتوجب على دارسي العلوم الحيوية خاصة الإلمام بها و أيضا الراغبين في المعرفة بشكل عام من خارج التخصص..

في أيامنا هذه، كثر اللغط و اختلطت الكثير من المفاهيم على الناس فيما يتعلق بنظرية التطور و مبادىء الداروينية الكلاسيكية و الحديثة، و كذلك نظرية الخلق و مؤخرًا لحقت نظرية التصميم الذكي بالركب..
بعض هذه المصطلحات و الموضوعات غير مألوفة على الأذن العربية ولا يهتم بها الشارع العربي بقدر اهتمام الاوساط الغربية بها العلمية و العامة..
لذا نرى أنه من المهم أن يتم إثراء المحتوى العربي و إطلاع القارىء العربي على مثل هذه المواضيع من وجهة نظر علمية و دينية أيضًا.
نترككم الآن مع السلسلة ، ندعو الله أن تكون ذات فائدة و نتمنى أن توافونا بتعليقاتكم و اقتراحاتكم.
الشيماء حلمي 

****************
مقدمة
نظرية التصميم الذكي
Intelligent Design Theory 
ذكاء التصميم أم عشوائية التطور ؟!




هذه عناوين سلسلة من المقالات التعريفية بنظرية التصميم الذكي
(Intelligent Design)
نتكلم فيها عن نشأتها ، أنصارها ، مفاهيمها و أدلتها ، تداعياتها ، صراعها مع الداروينية ، أعدائها و معاركها ، نقدها ، و أخيرًا علاقتها بالأديان.


العناوين التي سيتم تغطيتها في السلسلة:

· ميلاد الكلمة و ميلاد النظرية
· أنصارها و أدبياتها
· مفاهيمها و أدلتها
· التصميم الذكي و الداروينية
· لكل تداعيات و لكن..
· غير مسموح بالذكاء !
· نظرية علمية أم دين بثوب العلم؟
· التصميم: وهم أم حقيقة؟
· التصميم الذكي و الدين الإسلامي*


سيكون كل مقال من هذه المقالات قصيراً نوعا ما لجذب أكبر قدر ممكن من القرّاء ، و تحقيق الهدف الكامن في التعريف بالنظرية و نشرها في الأوساط العربية. 

* من المهم تخصيص هذه الجزئية التي تبين العلاقة بين النظرية و العقيدة الإسلامية لوجود بعض التباين الواجب إيضاحه.

23-9-2012 

أحمد مبروك بشير

***********************

المقالة الأولى
ميلاد المفهوم و النظرية

أتذكر أول مرة دخلت فيها احدى المباني ذات الأبواب الزجاجية تلقائية الفتح، ما لبثت أنظر إلى لوح الزجاج باحثاً عن المقبض حتى فتح الباب تلقائيا لدى اقترابي منه، أدركت حينها أن "تطوراً" قد طرأ على الأبواب، و أن من "صمم" هذا الباب أراد تسهيل عملية الدخول و الخروج، و كم سعدت بعد أن أدركت أن أصحاب الأمتعة الكثيرة لن يعانوا مشقة فتح الباب بما يحملوه من أمتعة. لقد كانت الغاية واضحة، وقد تبين لي ذكاء التصميم.. 


ميلاد المفهوم 




لاحظ الفلاسفة و العلماء منذ قديم العصور وجود القصود و التصاميم في الكون و المكونات، و تحدثوا عن و جود مصمم حكيم لهذه التصاميم المتناسقة. و لقد كان فيلسوف اللاهوت الطبيعي الراهب ثوما الأكويني (Thomas Aquinas 1274-1225) من أوائل من كتبوا عن وجود تصاميم في الكون لا تقل ذكاءً عن تصميم هذا الباب ذاتي الفتح، و لا يكاد يخفى فيها القصد و الغاية إلا بمقدار ما يخفى في هذا التصميم. لقد جادل ثوما الأكويني في حقيقة وجود مقاصد و أهداف ظاهرة تحققها الأشياء الطبيعية في الكون، وبالتالي لابد لهذه الأهداف من مصمم و هادف ذو غاية و قصد في تصميمه. وقد عُرف الفيلسوف ثوما كمنظَّر لفكرة أن الخالق، أو مصمم الكون، من الممكن معرفة وجوده بمجرد التأمل في الموجودات المليئة بالقصود و الغايات.

تبعه عالم التاريخ الطبيعي جون راي (John Ray 1627-1705) ب  الأعمال الخلقية  واهر التصميم111 م ثوما الأكويني بتأليفه كتابا عنونه بالحكمة في مخلوقات الله يشرح فيه حكمة الخالق و ظواهر الت في كتابه (حكمة الله الظاهرة في الخلق) (The wisdom of God manifested in the works of the creation) ليؤكد هذه الفكرة، حيثكتب أن "أهم حجة في وجود الخالق هي هذا الفن و التكوين الخلاب، هذا التنظيم و التدبير، هذه الغايات و المقاصد في كل أعضاء هذا البناء الجلي للجنة و الأرض". لقد كرس جون راي هذا الكتاب كله لتتبع و توضيح المقاصد و الغايات في تصميم الكون، وكيف أنها، بنظامها البديع و انسجامها، "أهم دليل على وجود مصمم لهذا الكون".

ثم أتى في القرن التاسع عشر الفيلسوف و اللاهوتي وليام بالي (William Paley 1743-1805) ليزيد هذا المفهوم وضوحا، و يعمق فكرة الغائية في تصميم المخلوقات من قبل "كيان ذو حكمة" على حد تعبيره. استخدم بالي في كتابه الصادر سنة 1802 (اللاهوت الطبيعي) (Natural Theology) ذات الطرح الذي استخدمه جون راي، ولكنه استفاد من تقدم العلم في عصره ليفصل الفكرة و يوضح جوانب أكثر من ذلك التصميم و التناسق. خصص بالي كتابه ليبين التصميم الذكي في الكائنات الحية و علاقتها بالبيئة المحيطة، و قد سرد بالي خلال 352 صفحة تفاصيل التصاميم المعقدة في أعضاء الإنسان و بقية الحيوانات، فقد أفرد فصلا عن عين الإنسان، و فصلا عن دورته الدموية، و فصلا عن بنيته الجسمية و عظامه، ثم ذهب يقارن بين الإنسان و باقي الحيوانات، و تحدث عن تصميم أجنحة الطيور و زعانف السمك و غيرها الكثير من الأمثلة التي يرى بالي أنها أهم الحجج على وجود مصمم مبدع. 

لكن الأهم في كتاب بالي هو استخدامه، لأول مرة، المقارنة و القياس بين المصنوعات البشرية و الكائنات الحية. فقد استخدم القياس ليثبت أن الصدفة و العشوائية لا يمكن أن تشرح وجود الكائنات الحيه كما أنها لا يمكن أن تشرح وجود ذلك الباب ذاتي الفتح. حيث استخدم تعقيد الساعة و دقة تصميمها كدليل على وجود مصمم و خالق لهذه الكائنات الأكثر تعقيدا و الأوضح تصميما. و قد اشتهر هذا القياس باسم قياس صانع الساعات أو (مماثلة صانع الساعات) (Watchmaker Analogy). 

The watchmaker analogy

يقول بالي أن كل أجزاء الساعة جمعت و تم تصميمها لكي تشير إلى وقت محدد من اليوم، و هذا ما لا يكن أن تفعله الصدفة و العشوائية، وهو ما يسميه بالي (العلاقة) (Relation) أو ما يُعرف الأن بمفهوم (التعقيد الغير قابل للاختزال) (Irreducible Complexity)، حيث أن كل جزء من أجزاء الساعة محتاج لغيره للقيام بالوظيفة. لقد أثر هذا القياس المنطقي في الكثير من العلماء منذ عصر بالي إلى الآن، و لكن المفارقة الغريبة أن تشارلز داروين (Charles Darwin 1809-1882) كان من أكثر الناس تأثراً بكتاب بالي و بفكرة تصميم الكون، فلقد كتب في مذكراته أنه كان "مسحوراً و مقتنعاً بمناقشات بالي الطويلة". 

ميلاد النظرية 

لم يتبلور هذا المفهوم ليصبح نظرية علمية ذات أهمية في الأوساط الأكاديمية إلا مع نهاية القرن العشرين ، فقد كان محدودا في الكتابات الدينية، وكان الحديث عنه محصورا إما بين اللاهوتيين و القساوسة كدليل على وجود الخالق، أو بين الفلاسفة و المناطقة، أو في كتابات بعض البيولوجيين الإيمانين أو (الخَلقيين) (Creationists) في أحسن الأحوال. ثم ظهرت في أواسط العقد التاسع و بدايات العقد الأخير من القرن العشرين (1984-1993) ما يسمى بحركة التصميم الذكي (ID movement) التي تزامن ظهورها مع إصدار عدة كتب نشرت في هذه المدة، أعقبها اجتماع أقيم سنة 1993 دعا إليه "أب حركة التصميم الذكي" و أستاذ القانون في جامعة بركلي كاليفورنيا و صاحب الكتاب الشهير (محاكمة داروين) (Darwin on Trial) فيليب جونسون (Phillip E. Johnson).

يعتبر أنصار النظرية أن أول استخدام علمي للمفهوم و للمصطلح كان في كتاب (عن الباندا و الناس) (Of Pandas and People) الذي نشر سنة 1989 من قِبل مؤسسة الفكر و الأخلاقيات (Foundation for Thought and Ethics) المعروفة بدعمها للنظرية و بنشرها لأهم الكتب عنها.



لقد تم طرح نظرية التصميم الذكي في هذا الكتاب على أنها بديل علمي لنظرية التطور الداروينية (Darwinian Evolution)، و أنها ذات أساس علمي يبحث في احتمال نشوء الخليقة نتيجة تصميم مصمم بدل نتيجة عملية عشوائية أدت إلى تطور الكائنات على ما هي عليه الأن. يقول منشئ مؤسسة الفكر و الأخلاقيات جُن بويل (Jon A. Buell) تقديما للنسخة الثالثة لكتاب الباندا المعنونة (تصميم الحياة) (The Design of Life) و الصادرة سنة 2007، يقول أن كتاب عن الباندا و الناس سمح لأدلة وجود التصميم في الكائنات الحية أن تتكلم عن نفسها، دون أي تدخل للأيديولوجيات الدينية أو المادية.

أما الأن و بعد تبلور الفكرة و ظهور النظرية يدافع أنصارها عنها كمنافس حقيقي لنظرية التطور الداروينية، و يحاول مدعوها استخدام العلوم الحديثة كعلم الجينات و البيولوجيا الجزيئية و الكيمياء الحيوية في إثبات صحة النظرية و إظهار وجود التصميم في الكائنات الحية. غير أنهم يواجهون من قبل الداروينيين (Darwinists) بتهمة أن النظرية ليست إلا دين تمت كسوته بثوب العلم، و أن النظرية تفتقد للأدلة العلمية التجريبية، وأنها عبارة عن "علم كاذب" “Pseudo-Science” لا يمكن تدريسه و لا اعتماده في المناهج الأكاديمية. يواجه "أنصار التصميم الذكي" “Intelligent Design Proponents” هذه الاتهامات بالنفي و يقولون أن النظرية لا تعتمد على أي نص ديني و لا تحدد هُوية للمصمم، بل إنها تتبع الأدلة بكل حيادية و موضوعية و لا تنطلق من أي فكرة مسبقة عن أصل الكون.

إذاً، هل تشير أدلة أنصار النظرية فعلا لوجود مصمم للكون؟ هل تستحق أساسا أن يطلق عليها مصطلح "نظرية"؟ هل أنصارها عبارة عن لاهوتيون أزالوا ثوب القساوسة ليتنكروا في لباس العلماء؟ هل تمثل نظرية التصميم الذكي أي تهديداً أو تحديا حقيقيا لنظرية التطور؟ هل هو فعلا تصميم أو هو كما يقول ريتشارد داوكينز (Richard Dawkins) عبارة عن "وهم التصميم"؟
 سنرى و نطرح هذه الأسئلة و غيرها بكل موضوعية في باقي هذه السلسلة من المقالات، عسى أن تكون قفزة علمية هربا من قارب الأوهام المثقوب للاستقرار على ضفاف أرضية العلم الصلبة. أريد أن أنبه القراء أنه سيتم تخصيص مقال في السلسلة عن علاقة المفهوم بالإسلام و علمائه.

المصادر:

Ayala, F. J. (2006). Darwin and intelligent design, Fortress Press. http://www.goodreads.com/book/show/621046.Darwin_and_Intelligent_Design
Dembski, W. A. and J. Wells (2008). The Design of Life, Foundation for Thought and Ethics. http://www.goodreads.com/book/show/2252713.The_Design_of_Life
Wells, J. (2006). The Politically Incorrect Guide to Darwinism And Intelligent Design, Regnery Publishing. http://www.goodreads.com/book/show/248745.The_Politically_Incorrect_Guide_to_Darwinism_And_Intelligent_Design

تعليقات

‏قال غير معرف…
أرجوك استمر.
‏قال أحمد مبروك…
تشجيعكم و انتقادكم لنا نرتقي و نستمر ..
‏قال khalifa algady
رائع جدا أخي الكريم
بارك الله وفي جهدك... خليفة القاضي-ليبيا
‏قال Unknown
الفكرة رائعة....وتشير لوجود مصممين اذكياء......واوجة القصور فى بعض الاحياء ..تشير لعدم قدسيتهم .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أمل جديد في علاج مرض وراثي عصبي بالخلايا الجذعية

الأغذية المعدلة وراثيًا (1) Genetically Modified food

Microbial Biotechnology التكنولوجيا الحيوية و الكائنات الدقيقة(1)